فنّ الإصغاء للعلاقة الزوجية… حين يتحدّث القلب قبل اللسان
![]() |
في أغلب العلاقات الزوجية، لا تنشأ الأزمات بسبب حدث كبير أو خطأ فادح، بل من تفاصيل صغيرة
لم تُفهَم كما ينبغي.
فقد تقول الزوجة جملة عابرة تقصد بها الاطمئنان، فيتلقّاها الزوج على أنها لوم، وقد يلوذ الزوج بالصمت
هربًا من إرهاقه، فتفسّر الزوجة صمته بأنه فتور أو بُعد. هنا يظهر أحد أهم مرتكزات العلاقة الناجحة:
فنّ الإصغاء لما وراء الكلمات.
فلكل إنسان طريقته في التعبير عن نفسه، وهذه الطريقة قد تكون مختلفة تمامًا عمّا يتوقّعه الطرف الآخر.
فبعض الأزواج يعبّرون بالكلام المباشر، بينما يفضّل آخرون التعبير بالفعل أو الصمت.
ومن هنا تنشأ الفجوة: لا لأن أحدهما مخطئ، بل لأن لغة المشاعر ليست واحدة لدى الجميع.
إن إدراك هذه الحقيقة يخفّف كثيرًا من التوتّر. فقبل أن يستعجل الزوج الردّ، وقبل أن تبادر الزوجة إلى تفسير الموقف،
يكفي أن يسأل كل طرف نفسه سؤالًا بسيطًا:
"
"هل ما أشعر به الآن هو حقيقة ما قصده شريكي… أم هو ما فهمته أنا فقط؟"
هذا السؤال وحده قادر على تهدئة الموقف وإعادة النظر في الانفعالات.
العلاقة الزوجية تزدهر حين يتوقّف الطرفان عن محاولة تغيير بعضهما، ويبدآن في فهم بعضهما.
حين يتحوّل الحوار من جدال لإثبات وجهة نظر، إلى مساحة آمنة تُترجم فيها الانفعالات دون حرج. وحين نُدرك أن
الصمت ليس دائمًا تجاهلًا، وأن النقد أحيانًا يكون محاولة غير موفقة للبحث عن اهتمام.
إن سرّ العلاقات التي تنضج بمرور الزمن ليس غياب الخلاف، بل امتلاك القدرة على قراءة ما لا يُقال.
فعندما يتعلّم الزوجان أن يصغيا جيدًا، يكتشفان أن وراء كل غضب خوفًا صغيرًا، ووراء كل شكوى
رغبة صادقة في الاحتواء.
وهكذا يصبح الإصغاء، لا الكلام، هو اللغة التي تُبنى بها الألفة، ويصبح الفهم أعمق من أي وعود تُقال شفهيًا.
